ملاحظة .. اقرأ الجُزء الأول
........................................................................................................
أخذ على عاتقه أن يُبدل حال ما أُحيل إليه - رُغما عنه - .. الحُلم .. رغبة مشوشة وطريق ضبابي .. كان سيوران يقول : ( ذلك الذي يخشى أن يكون مُتشرداً هو أكثر تعاسة من المُتشرد نفسه .. هذا إن افترضنا أن المُتشرد تعيس ) ..
الرجل الذي لا يتحرى خبراً من التُكنولوجيا والشبكات العنكبوتية .. يعلم أن كُل ما يُبث هو حِياكة مُصطنعة وبالية .. سُرعان ما تهترىء بعد أول ظُهور وإعلان .. لكنّ وقعها جلل وكبير بين أوساط العامة .. يسترق الاعلام خبرا ليس واضح المعالم .. ويُكذَبُ من قِبل فُساقه ألف كذبة وكذبة .. فيتوه الجُمهور بُرهة .. يُمرر الساسة كُل ما يريدون في تِلك اللحظة .. فالعيون انحرفت ولم تعد تُبصر الحقيقة ..
قرأ يوما منشورا لـ رجل عُرف عنه العِلم .. وله من الكُتب والاطلاعات والنظريات والبرامج الهادفة التي يُحاول بها استنهاض الفِكر ( أو كما يُريد ) .. كان المنشور عبارة عن استطلاع رأي مفاده : هل تُفضل الأمن مع الذُل أم الحُرية مع الثورة ؟!
أحاله السُؤال بعيدا عن ما أجبرته الحياة إلى ما أُحيل إليه من ظروف .. ما هي الثورة .. وهل نحن حقا في ذُل .. وهل هُناك في هذا العالم أمن مع حرية .. وكيف تكون الحُرية ..
إن الصمت العاقل لا يعقبه إلا لسان حاضر ومُوجز .. ما كان عليه إلا أن يُحدث نفسه بعد كُل هذه التساؤلات .. النفس التي إذا ما استطابت .. استطاب العيش من بعدها .. إن الجميع يحملون في ذوات أنفسهم جرائم وفساد وسُجون .. كما يحملون العفو والاصلاح والحُرية .. لكنّ الفرق هو لمن ستُطلق العنان .. المُثقف هو من يستطيع مُراقبة نفسه ..
الإيقاع الذي أجبره على العيش بهذا الدوام الذي قارب أن يكون دائما بالنسبة إليه .. إن الوشم الذي وُسم على جبين حياته بـ مسامير مُعوجه طّرزت جسده وحاكت جِلده .. كما شوه الرسام مارسيل دُوشان لوحة العبقري دافنشي .. حوّل ( الموناليزا) إلى ( الملعونة ) .. فـ هكذا ينمو المُتسلقون على أجساد العُظام الذي قهروا الصِعاب وخالفوا قانون الحياة المُستبد ..
حال كُل من لا يُتابع أحوال ما يجري حوله كـ من يُتابع .. ولا فرق إن كُنت ناظر أو مُستمع .. فأن تُسلم رأسك لـ حلاق ليقص شعرك الذي هلكه البياض في سنوات العشرين هو كفيل بأن يُعطيك مُوجزا مُفصلا عن كُل الأحوال والأخبار .. ناهيك عن الاستطراد الذي سيُسقطه بكلامه على الأحداث .. السائق الذي يُقلك صُدفة إلى مكان تتجه إليه .. يُعلن عن بداية النشرة بمجرد رُكوبك السيارة .. يستفتح بأخبار الساعة والعاجلة ويتراجع بالنشرات تلو الأخرى .. لا يُبقي ولا يذر .. ثُم يتذكر حاله ومعيشته ويبدأ بسرد مُعاناته مع أهله وتوفير لُقمة العيش ..
حياة تُجبره على الاستماع إلى ما لا يُريد الانقياد له .. شعب بـ كتاب مفتوح من الشكاوى والتذمر .. حال لا يتبدل .. الأزمات المتتالية والمتوالية تحجب كُل ادراك وتفكير وتمعن .. ما أن تبدأ أزمة الكهرباء حتى تنتهي بأزمة الكهرباء ..
أفواج مُندفعة نحو البحار وعلى تلال اليابسة وثُغورها .. تتجاوز المُحيطات والأسوار .. جهنم التي كان المشايخ يُحذرونه من التطبع والهجرة بهم وإليهم .. أصبحت هي جنة اليوم .. شُعوب بأكملها ترتحل .. كُل الأعمار ..
ما كان عليه سُوى أن يحمل قُوته وينطلق .. سلام على تُرابك أمي .. صراع مع مرض وممرات شهدت جُلوسها لـ فترات أطول من مُكوث أُمه في غُرفة العناية المُركزة .. حتى خرجت مُلثمة من الُغرفة تُميط اللثام بلجم جُملة أطاحته مكانه باكيا حزينا .. لقد ماتت !
حال لم يتبدل إلا عندما أقرّ العزم على الترحال .. وحيث ما يرمي الموج المركب .. وأينما ترسي المرساة .. الخيارات لم تكن فارقة سُوى أن يكون المُستقبل أعجمي .. أبيض البشرة وأصفر الشعر .. إن الطُرق بأجمعها لم تُؤدي إلى رُوما خياله .. كانت كُلها إلى الموت .. وداعا أماه .. أيها الشجر والحجر .. أيها الشاهد فوق القبر .. بلغوها أنني بت في الغربة فِداها ..
أيتها الأوطان العربية التي لا تعرف العدل .. ولا تعرف من الدين سُوى الاسم .. ولا من الانسانية الا الجسد .. ها هُو يُلوح بالفُراق .. لا عودة إلى رحم المُعاناة ..
سلام عليك صديقي .. سلام على أهل المهجر ..
أنتم السابقون .. ونحن اللاحقون بإذن الله ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق