الثلاثاء، 20 ديسمبر 2016

على ناصية الحي



عندما تُحلق الطائرات على مسافة تخترق بها أجواء المكان تدريجيا .. وتسمع صوت مُحركاتها تُزمجر .. حِينها تتيقن أن هلاكاً سينزل على أرواح أو مساحة ما .. فـ تتجه الانظار إليها وكأنها ثابتة في مكانها تنتقي وتختار أين ستُنزل حُمولتها .. وفي فُجاءة .. يلمع من أسفلها ضوء يعقبه صوت يثقب الاّذان قبل أن يثقب الهواء .. يمتزج صوته مع صرخات المُشاهدين .. وكأن المشهد لُعبة كُرة قدم .. كُلما ركل المُهاجم الكُرة باتجاه مرمى الخصم يتبلد الجُمهور في صمت يترقب مصيرها ..
في لُعبة كُرة القدم .. لا تنكسر إلا النفوس .. ولا تبتهج إلا النفوس أيضا .. بِخلاف ملعب الحُروب والنزاعات فـ للأجساد نصيب وللأرواح أيضا .. سيهبط الصاروخ في بُقعة ما .. ويُخلف وراءه جبلا من الأتربة والغُبار وتناثر الحُطام هُنا وهُناك .. تتطاير الشظايا وتختفي الرُؤيا كُليا ..
يهرع الناس إلى المكان .. تبدأ الصُورة بالظهور تدريجيا فيكون الغبار والتراب قد طلى الأجساد وأصبح الجميع بلون واحد .. الرمادي !

في مشهد لا تحكمه العقلانية .. الاندفاع دُون ادراك .. بعضهم للانقاذ والبعض للتهليل والبعض الاّخر يقف على ناصية في ذُهول يجتاحه .. كيف لـ كُتلة حديدية لا تتجاوز الخمسة أمتار أن تجعل الأرض تنبض بما فيها وتنفض من عليها .. وكأن المكان قد تعرض لـ صدمة كهربائية كالذي يفعله جهاز الصدمات الكهربائية بصدر توقف قلبه عن العمل .. لكن باختلاف النتيجة !

ينتهي المشهد .. ولا تقف الأيام ولا العقارب ولا الثوان .. أنتهز ساعة من يومي لأسير على قدمي إلى ذلك المكان .. وعلى ناصية أقف وأحدق في الأرجاء .. كُنا ذات مساء نلعب الكُرة هُنا ونهرب من ذاك الشارع ذات مطر .. كانت تلك الشُرفة تجمعنا .. كان صديقي يقف على زاوية سطح منزله صامتا .. أنظر إليه وكأنه يُودع المكان لارتحال بلا عودة ..

أقف في صمت .. ثُم تأخذي قدمي إلى المكان الذي يحتويه .. أُسلم عليه وأهديه وردة من شجر الصبار .. وأسقيه ماء عذبا ثُم أرشه بماء البحر كي تبقى الذكرى حيه .. أودعه في داخلي قائلا : 


سلام عليك .. طِبت وطاب مُقامك ..

الأربعاء، 14 ديسمبر 2016

بصيرة عمياء وجاسوس صامت


لم تكن الابادة للانسانية محط أنظار الانسان الواحد إلا عندما تهالكت أمم كُبرى تدريجيا في حُروب مُتفرقة على مُختلف الأزمان .. لم يُسجل التاريخ ابادات جماعية إلا عندما تمرد الانسان على ذاته وأصبح يرى نفسه فوق الجميع ..
الحُروب العالمية التي انتهكت من البشرية كُل عِرض ورُوح وجسد .. تأتي الاّن على هيئة ( جماد ) يبث سُما زُعافا في أدمغة كُل مُتابع لكل مُستجد !

فـ في حِين كانت الدُول الكُبرى التي صنعت هذا ال ( جماد ) وما زالت تُهيكل وتُشكل كُل جديد من السلاح والعتاد مهما اختلف حجمه وشكله .. استطاعت أن تصل بيت كُل هدف لها دُون أدنى خسارة للأموال أو الأرواح .. ( الشبكة العنكبوتية ) المُتمثلة بِكل برامجها واستحداثتها والتي استعبدت كل الأدمغة وانتهكت كُل خُصوصية وأتلفت كُل الأفكار والاطروحات ..

لم تكن التكنولوجيا عيبا أبدا .. ولست بالساذج الذي يرمي كُل المصائب الواقعة على جماد .. إنما السُلوك الذي ينتهجه الكثير من الناس في تفسير كُل واقعة تُبث على هذه التكنولوجيا والكذب معها ألف كِذبة يجعلك تقف موقف الحذر من كُل ما يُقال !

العالم الافتراضي الذي أدخل نفسه عُنوة داخل كُل بيت قد تحكم تقريبا في كُل ما نفعله أو نُردده .. إنك عندما تحضر جلسة وتجلس مُنصتا فإنك ستجد أن أغلب الكلام مُنبثق من مواقع عِدة وفضائيات مُختلفة .. حتى التحليل الذي كان أجدادنا يروه لنا بِدون تكلف قد أصبح على لِسان الكثير مُصطنعا مكذوبا مليئا بالشوائب ..
وتجد في الحوار أن الفِطرة لا تُكال بمكيال الانسانية وإنما بالانتماء الذي أعمى كُل بصيرة وعقل ..

وعِندما تُوضع في خِضم الأحداث وتعيشها رُوحا وجسدا .. ثُم تنظر بعد انجلاء الغُمة إلى التعليقات والتحليلات التي تتحدث عنك في الوقت الذي كُنت تُكافح كِفاح الهارب من أنياب الأسد وأسنان الضِباع .. تتجلى لك البلية التي تهوي بك إلى ضحك هستيري يعقبه صمت مُحير يأخذك إلى تساؤل : من أين يستمد هؤلاء أفكارهم ؟!
ثُم يغلبك الملل .. فـ تتجه إلى الشاشات حيث المُحللين والمُفسرين وأصحاب الرأي .. وكُل يدلو بدلوه على خلفية انتمائية مُنبثقة من تعصب وعُنصرية حتى إذا ما احتدم النقاش بان صِدقهم في غضبهم .. فالغضب يُخرج كُل شيء .. الصدق والكذب ..
إن التكنولوجيا كـ مرض الايدز .. تبدأ بعلاقة تربطك بك فترتبط بك .. ولا تأثير ولا سُلطة لها عليك ما لم تفقد توازنك الفكري والانساني .. فإذا حصل .. فإنها ستستفحل وتنتشر وتأكلك ببطء حتى تُهلكك وتُهلك من معك ومن حولك !


الثلاثاء، 13 ديسمبر 2016

الشعوب والدجاج



كـ قِصة رواها لي أحدهم ذات مساء :
قدم ابني الحاكم إلى أبيهما في حيرة وعلامات الاستفهام تتطاير حولهما .. وطرحا السُؤال على الحاكم دُون أية مُقدمات ..
كيف حكمت الشعب طوال ثلاثون عاما دُون أدنى مُقاومة ؟!
فأجاب : سأقطع لكما الحِيرة بمشهد تمثيلي .. ستكونون أنتم أبطاله .. وطلب منهما احضار قفص يحوي عشرون دجاجة واخراج الدجاج من القفص .. ثم اعادة امساكه ووضعه في القفص مرة أخرى ..
كان يعلم أن من طبيعة الدجاج الركض هُنا وهُناك .. ولأن الطبيعة تغلب فقد أُنهك الاثنان في الامساك والتعبئة حتى هلك النفس .. فسألهما الحاكم : كيف وجدتم ما فعلتم ؟ قالوا : مُنهك حد التعب ..

ثُم قال : فليمسك كُل واحد منكما طرف القفص ولـ يرجه رجا حتى يبلغ الدجاج مُنتهاه .. ثم أخرجوه خارج القفص وأعيدوا تجميعه .. ففعلوا !
وجدوا أنّ الامر كان بسيطا مُيسرا ..
فقال الحاكم : إن العِبرة من التجربة أنكم إذا ما تركتم الشُعوب دُون متاهات وعثرات فإنهم سيتفرغوا إلى الحاكم .. ولكن أغرقوهم في بحر الأزمات .. تتلاطمهم أمواج الانتكاسات .. ولا تتركوا لهم سبيلاً إلى شاطىء الهُدوء والطمأنينة ..

وما إن انتهى من رِواية القصة حتى باغتنا خبر عاجل على شاشة التلفاز مفاده أنّ الحُكومة سترفع الدعم عن الدواء في تاريخ يبدأ بعد شهر من وقت جُلوسنا ..
نهض سريعا مُستنفرا .. سألته إلى أين ؟!
قال سأذهب لأنام لكي أستيقظ باكرا قبل الزحمة التي ستعم المراكز الصحية .. هذا لأن نِصف الشعب يُعالج من أمراض مُزمنة والنصف الاخر لا يجد الدواء !

كورونا العصر

كنت دائم التفكير في ما تطرحه مواقع التواصل الاجتماعي - أو كما سُميت بذلك - على مختلف أنواعها وأسماؤها وأشكالها المتجددة عام بعد عام ،...