الأربعاء، 14 ديسمبر 2016

بصيرة عمياء وجاسوس صامت


لم تكن الابادة للانسانية محط أنظار الانسان الواحد إلا عندما تهالكت أمم كُبرى تدريجيا في حُروب مُتفرقة على مُختلف الأزمان .. لم يُسجل التاريخ ابادات جماعية إلا عندما تمرد الانسان على ذاته وأصبح يرى نفسه فوق الجميع ..
الحُروب العالمية التي انتهكت من البشرية كُل عِرض ورُوح وجسد .. تأتي الاّن على هيئة ( جماد ) يبث سُما زُعافا في أدمغة كُل مُتابع لكل مُستجد !

فـ في حِين كانت الدُول الكُبرى التي صنعت هذا ال ( جماد ) وما زالت تُهيكل وتُشكل كُل جديد من السلاح والعتاد مهما اختلف حجمه وشكله .. استطاعت أن تصل بيت كُل هدف لها دُون أدنى خسارة للأموال أو الأرواح .. ( الشبكة العنكبوتية ) المُتمثلة بِكل برامجها واستحداثتها والتي استعبدت كل الأدمغة وانتهكت كُل خُصوصية وأتلفت كُل الأفكار والاطروحات ..

لم تكن التكنولوجيا عيبا أبدا .. ولست بالساذج الذي يرمي كُل المصائب الواقعة على جماد .. إنما السُلوك الذي ينتهجه الكثير من الناس في تفسير كُل واقعة تُبث على هذه التكنولوجيا والكذب معها ألف كِذبة يجعلك تقف موقف الحذر من كُل ما يُقال !

العالم الافتراضي الذي أدخل نفسه عُنوة داخل كُل بيت قد تحكم تقريبا في كُل ما نفعله أو نُردده .. إنك عندما تحضر جلسة وتجلس مُنصتا فإنك ستجد أن أغلب الكلام مُنبثق من مواقع عِدة وفضائيات مُختلفة .. حتى التحليل الذي كان أجدادنا يروه لنا بِدون تكلف قد أصبح على لِسان الكثير مُصطنعا مكذوبا مليئا بالشوائب ..
وتجد في الحوار أن الفِطرة لا تُكال بمكيال الانسانية وإنما بالانتماء الذي أعمى كُل بصيرة وعقل ..

وعِندما تُوضع في خِضم الأحداث وتعيشها رُوحا وجسدا .. ثُم تنظر بعد انجلاء الغُمة إلى التعليقات والتحليلات التي تتحدث عنك في الوقت الذي كُنت تُكافح كِفاح الهارب من أنياب الأسد وأسنان الضِباع .. تتجلى لك البلية التي تهوي بك إلى ضحك هستيري يعقبه صمت مُحير يأخذك إلى تساؤل : من أين يستمد هؤلاء أفكارهم ؟!
ثُم يغلبك الملل .. فـ تتجه إلى الشاشات حيث المُحللين والمُفسرين وأصحاب الرأي .. وكُل يدلو بدلوه على خلفية انتمائية مُنبثقة من تعصب وعُنصرية حتى إذا ما احتدم النقاش بان صِدقهم في غضبهم .. فالغضب يُخرج كُل شيء .. الصدق والكذب ..
إن التكنولوجيا كـ مرض الايدز .. تبدأ بعلاقة تربطك بك فترتبط بك .. ولا تأثير ولا سُلطة لها عليك ما لم تفقد توازنك الفكري والانساني .. فإذا حصل .. فإنها ستستفحل وتنتشر وتأكلك ببطء حتى تُهلكك وتُهلك من معك ومن حولك !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كورونا العصر

كنت دائم التفكير في ما تطرحه مواقع التواصل الاجتماعي - أو كما سُميت بذلك - على مختلف أنواعها وأسماؤها وأشكالها المتجددة عام بعد عام ،...