الثلاثاء، 24 يناير 2017

وانقلب السحر على الساحر



خرجت كـ عادتي اليومية إلى العمل .. طريقي مُزدحم فـ أفتح الراديو على برنامج يُناقش الأمور المتعلقة بالحياة اليومية لـ شعب الأرض الذي رمتني الغُربة بين قُضبانه .. الحياة هُنا رتيبة بـ روتين ممل .. ولا تُقاس كلمة الملل بمجرد قِرائتها فـ هُنا تنعدم كُل أساليب المعيشة الطبيعية .. وتبقى سجين المنزل والعمل .. ولا طريق غيرهما ..

من أيام قليلة .. نُوقش موضوع في الراديو عن عملية احلال الشباب الذين ينتمون لـ هذه الدولة محل الاّخرين الذين أطلق عليهم مُسمى ( أجنبي ) .. فـ يكون التشبيه كأن يدخل عليك مُديرك وهو ممسك بيد أحدهم ويُردف قائلا : انهض ولملم مُتعلقاتك وجهز أوراقك لـ رميك خارج الشركة لأننا أحضرنا شابا جديدا لـ مُجرد كونه كذا ( أي أنه يمتلك الحق من خلال جنسيته ) .. كان الذين يتبادلون الحديث في الراديو يُناقشون الامر ببساطة تامة غير اّبهين بمستقبل الاّخرين ولا بأسرهم ..

مضت أيام قليلة وعلى نفس موجة الراديو في ذات البرنامج .. كان محور الموضوع يدور حول طرد بعض الشركات الكبيرة موظفين يعملون لديها على الرُغم أنهم من أهل تلك البُقعة وليسوا بـ وافدين إلى تلك البلاد !
لم تكن علامات الاستفهام تحوم حولي فقد كانت ولم تزل قناعاتي أن الشركات والمُؤسسات ومن يمتلكونها لا يبحثون إلا على المال .. ومن أين يأتي وكيفما يأتي فلا يهمهم طالما أنهم لا يخسرون .. وبـ معادلة بسيطة من دِماغ كّرس فِكره على تحاشي الخسارة فقد حسب حِسبته جيدا واتخذ قراره الذي لا تشوبه شائبة داعما كُل نتائجه بالأنظمة القائمة على اللوائح والقوانين غير مُتعد ولا مُتجاوز ..

المُحامي الذي استضافه ذاك المُذيع والذي يرد على استفسارات وتساؤلات المُتصلين أوجز في الرد بأسلوب مُقنع والذي لم تُرضي اجاباته الكثير .. المُحامي الذي درس قوانينا وأنظمة اعتقد الكثير أنهم في منأى عن زواياها و التي تُحتم عليهم أن يقرؤها أولا قبل أن يُفاوضوا بالراتب والبدالات .. خانتهم ثِقتهم الزائدة المدعومة بمسمى ( جنسية واستيطان بشري ) ..



الاعلان الذي باغت البرنامج وبطريقة غير مباشرة يحمل بين ثنايا كلماته ردا مُوجزا ..
( الان نُقدم لكم وجبة مجانية في حال طلبكم وجبة من ..... مع التوصيل المجاني أيضا .. وبذلك تكمن مشكلتكم الان فقط هي : من يفتح الباب لموظف التوصيل ؟! )

الثلاثاء، 10 يناير 2017

عابرة



إن ساعة تقضيها في جلسة لا تتجاوز الساعات المعدودة كـ دهر بأكمله .. وحيث أن السَمر مناط الكلام وسبيل تبادل القصص والأحداث وتداولها بين الحاضرين ولا سيما إذا كانوا من أراض مُتناثرة .. في تلك الجلسة التي يعقدها شباب من الجيل العِقد الثاني والثالث .. يلجأ كُل واحد منهم إلى ذاكرته ويُقلب في مُغامراته .. تلك المُغامرات التي لم نكن نسمعها إلا من لِسان يكاد الشيب ينبت على سطحه من طُول عُمره .. أو كما كانت العادات أن تستمع لمن مرغتهم الحياة في مُستنقعاتها وجاؤوا يحكونها بعد أن سكنوا إلى كُرسي في زاوية من زوايا الحارة لا يقومون عنه إلا بِـ عُكاز ..

المُغامرة هي صنيعة تجربة بأكملها .. وقد تكون النهاية سعيدة أو حزينة .. ولم يعد العُمر مقياسا للتجربة .. فـ حال ما يحدث يُبدل حال كُل الأعمار ..
إن مُجتمعات بأكملها تنحصر في رواية على لسان شاب اعترك من الحياة ما أدخله في حلبة من حلباتها ذات الطوابق الشاهقة .. وكُلما تجاوز خصما لقي أشد منه .. والأحداث الدائرة ليست ببعيدة أبدا وانما تجدها قريبة جدا عندما تُروى بلسان أحدهم .. 

لم يكن أحدنا مُستعدا .. انما وجد نفسه في خِضم الحدث .. وليس على الواحد منا أن يكون مُترددا في تلك اللحظه .. فـ زلة تُحيل إلى كارثة في بعض الاحيان تكون حاسمة بين الحياة والموت وتُجبرك الظروف على أن تدخل المُعترك عُنوة .. وأن تكون واحدا من المئات أو الاّلاف أحيانا ممن يركضون هُنا وهُناك للخروج مما هُم فيه ..

في زمان كـ هذا .. يمتلك كُل واحد كِتابه الخاص .. ففي كُل حادثة يُمكنه ملأ عشرات الصفحات دًون ملل أو توقف ..

إن أكثر من جعلني أتطرق إلى كتابة كُل ما كُتب أن الاعمار لم تعد مقياسا للتجارب .. وأن الحياة أصبحت في مُعاناتها تبدأ مبكرة جدا .. وأن صرخات الطفل الذي يُولد لم تعد بسبب الهواء الذي يملأ الرئة .. وانما هي صرخة الحذر الأولى والكلمة الأولى .. لعلها لو فُسرت إلى كلمات لكانت : أرجعوني !


الاثنين، 2 يناير 2017

ناصية الحلم



( قِف على ناصية الحُلم .. وقاتل )
كان على درويش أن يتنقل بين منبر واّخر .. هذا ما يستدعيه كـ شاعر أن يصعد على درجات ثُم يميل ميلة واحدة على الجُمهور .. وبين كُل فاصل يملىء فيه رِئتيه بالهواء تصفيق حار وتهليل كثير وصُراخ أكبر ..
وفي كُل الحاضرين وبين الجموع .. تستنطق المعنى الذي أراد أن يصل به درويش إلى أبعد تاريخ يُشاهد فيه وهو يُطلق كلماته بـ حُرية حذرة .. ولا يُخشى الحذر من الذي تسبقه يداه بالتصفيق قبل أن يمتزج عقله بما يُقال وإنما من الجالس صامتا هادئا مُستكينا .. يُقلب كلمات درويش كما يُبدل رِجليه عندما يضع واحدة على الأخرى لـ يزيد من تدفق الدم إلى دماغه ..

ولكن .. أي ناصية كان يتكلم عنها درويش .. وأي سبيل للقتال ؟!
اعيتنا الاحتفالات واحياء الذكريات يا درويش .. فما زلنا نعالج جراحنا بالطبول والمزامير .. وأصبحنا الشعب الذي يرتاد المسارح وخشبات الغناء أكثر من اعتناقنا للشوارع وتملكنا وتمكننا امام وجه الاعداء .. ورئيسنا يفاخر ب عشرة من صناديد الاحبال الصوتية الذين هزوا عرش ( اراب ايدول ) في مؤتمر ل حركة مقاومة قامت على نهج كفاح مسلح !


لقد فرحوا عندما حرك الهواء علم بلادي فوق أرض غير أرضه .. كأنه رفرف عندما رأى عربيا مر من حوله .. يستنجد به أن يزيله من هذا العلو الكاذب .. فلا تعلو راية فوق جهنم الا احرقت .. وهؤلاء الذين تفشت سراريهم عندما عزف النشيد في قاعة صوتت على دمار بلادي وهلاكها .. تجدهم يصفقون الان ل قرار مزعوم مفاده أن الاستيطان مشجوب ومستنكر وأن على المعتدي أن يتوقف .. وتناسوا أن المجلس بأجمعه مستوطن من الاعداء .. ولا صوت يعلو فوق صوتهم .. وأن هذه القرارات مجرد نفخ الهواء في الهواء .. 


يا درويش .. علك أخطأت المنبر .. ف ساسة لا يتقنون من كلماتك الا تصفيقا رنانا لا جدوى منه .. وإني لأراك على ناصية مقبرة تعتلي صخرتها أمام المقابر .. تلقي السلام بطريقتك النثرية الشعرية .. وتسلم على الشهيد أولا .. يصمت الجمع ويستمعون .. وكلما احتدت الكلمات في ارواحهم تناثر الهواء فوق قبورهم وحرك وردة الصبار التي ارتوت من ماء تصبه امهاتهم على قبورهم كلما اهتزت قلوبهم بذكراهم .. 


كورونا العصر

كنت دائم التفكير في ما تطرحه مواقع التواصل الاجتماعي - أو كما سُميت بذلك - على مختلف أنواعها وأسماؤها وأشكالها المتجددة عام بعد عام ،...