السبت، 23 يوليو 2016

فضفضة


ما بالُ الدمع لا يصيب إلا العُيون البريئة .. ولا تصفع الحياة إلا الخد الرقيق .. كيف أصبحت النُفوس مُعتادة على الغِلظة والغِبطة .. وباتت مُعتادة على النميمة والفتنة .. كـأس الدماء قد شربه الجميع حد الارتواء حتى أصبحت المشاعر ساكنة أمام كُل هذه الفوضى الحمراء ..
لِمن النصيحة وقد تمّلك الشيطان عُروق البشر .. يجري فيها مجرى الدم .. وما زال العالم في تِيه ما سلموا أدمغتهم لـ غيرهم .. وقدموا الظن على اليقين .. وتجرعوا الجهل ممن يبتغي ماّرب النفوذ والسُلطة .. وهذا زمان يختلف فيه العاقلان العالمان حتى يظن المار أنهم سُفهاء ..

لِمن النصر وقد خالف كُل أركانه وسار عكس طريقه .. وكيف يُنصر ضعيف يستعلي بـ جهله على من هُو أقوى منه .. يتمرغ في طين المُكابرة والتكبر .. لا يحسب لـ غيره ذرة حِساب .. يُقيم على قناعة لا تحثه إلا على الاستمرار في العناد .. وأنّ مذهبه هو المُنزل من السماء .. لا غُبار ولا غشاء ..


وما زال أقوام على جاهلية رُغم انكارهم لـ عِبادة الأصنام والأوثان .. لكنهم يُقدسون البشر .. حتى إذا ما ذُم محبوبهم على لِسان أحد من العامة أقاموا عليه حد القذف والسباب والشتم .. وووصفوه بالعميل والخائن .. لكنهم نفس الأشخاص إذا ما سمعوا أحداً يسب الذات الالهية ( والعياذ بالله ) هزوا رُؤسهم يمنة ويسرة ( هذا إن فعلوا ) .. وأكملوا كلامهم وطريقهم !


إن التجهيل الحاصل قد زاد من طمع المُتخاذلين والمُتسلقين .. وأصبح النافذة التي يستطيع بها المُستميل أن يميل على فريسته وغايته .. وإنهم وجدوا ضالتهم في نشر الدمار والخراب دُون أي خسارة لهم في المادة والارواح .. وإنهم لـ يخلقون الارهاب في النفوس قبل الوجود .. ومن خيال هُوليود إلى واقع مغشوش ..


لعلنا إذا ما أغلقنا هذه الأوبئة المعروفة بـ ( التكنولوجيا ) لـ بُرهة قصيرة فإننا سنشعر بإيجابيات عظيمة كانت غارقة في أعماق هذه التقلبات الكثيرة .. لكننا لا نستطيع الانقطاع الأبدي عنها .. وإذا أجبرتنا الحياة عليها فلم تُجبرنا على الانقياد لكل ما يتصدر عناوينها .. فلا يُملي من خلف أستارها إلا بشر مِثلنا ..

ماض لا يُنسى



لا أتخلى بسهولة عن ماض عشته .. وعن أرض مشيت عليها .. وعن بشر احتضنوني بكلماتهم وأفعالهم .. ما أظلم هذه الدُنيا حينما تُفرق .. كانت تلك السنة هي محطة تدريب لي لُكل ما قد يُواجهه الانسان منا في هذه الحياة .. بدأ بحمل على الظهر وصبر على المسافات وانتظار في صحراء وباب لا يفتح إلا مُمتنعا .. وتدافع السجين المظلوم إلى باب الحُرية وانتظار اّخر .. ترحيب وسلام وأحضان وقُبلات كثيرة ..
هذه الأرض التي مشيت عليها مُسبقاً أعود لها اليوم .. أجلس تحت سقيفة من سعائف النخل بعد استحمام أنزل عني هُموم رحلتي قبل أن يمسح عني عرقها وتُرابها .. أستنشق الهواء العليل .. لا أبراج تفصلني عن منظر السماء .. ولا عُمران لغطي يقضي على الطبيعة .. يُقرؤني السلام .. وأجيب بأتمه .. هذا لأن الارض التي أتيت منها لا يعرفون من السلام إلا حُروف مُجزأه .. تدعو عليك بالموت عندما يُلقي عليك المار فيقول : السام عليكم ! فلا أجد نفسي إلا أن أستنطق لساني بِحُسن الظن وأقول : وعليكم مِثل ما قُلتم .. وأكثر !

نفس مُرتاحة وراضية .. وعمل يُجهدك على أن تجتهد في الصبر على سماع الشكاوى .. وإني أستمع بإنصات وسرور .. تستميل الأيام ميلة واحدة وتضرب السماء أجسام طائرة تُلقي بالموت والدمار .. يتبدل الحال وتتغير الأجواء .. الظلام في الليل وكأنه أنثى استوطنت عباءتها حتى نامت بها .. يتوهج باحمرار كُلما زفرت تلك الأجسام وأكالت الموت بمكيالين ..


ولا عطاء لمن لا يُعطي .. وهكذا أجد نفسي أحمل الحقيبة على كتفي مُزودة بِكل ما يُساعد .. مشاهد كثيرة وقِصص هي الأعجب إذا ذُكرت .. يومها كُنت أستريح من عناء يومين كاملين حتى باغتني خبر مفاده أن شارع قريبتي أصابه وابل من القذائف .. وقد اخترقت احداها مُقدمة المنزل .. علمت أنها نُقلت هي وعائلتها إلى المُستشفى .. ارتديت ملابسي سريعا وهرعت راكضا .. وصلت هُناك واطمئننت عليها وعلى باقي أفراد عائلتها .. حماية الله ردت الانفجار سُوى شظايا صغيرة اخترقت الجلد .. أزيلت الشظايا وضُمدت الجراح .. جُرح يلتئم ولا تنسه الذاكرة .. إنه كـ من يُبعث من الموت ..


عادت الاجراءات الرُوتينية مرة أخرى لتُؤرق تفكيري .. اجراء التجديد والتمديد .. فلا هَوية لـمن لا جواز له .. ونفي في دَولة الغُرباء لمن لا اقامة له فيها .. كُلها أحبار على ورقة استهلكت من جسدي وتفكيري كُل ما استهلكت .. انتقلت أرض المعركة إلى البوابة التي تُخرجك من الموت .. كُنت أظن أنّ ما وراء هذا القحط المُميت خَضَار من الحياة .. وانما وجدت التنكيل والتعذيب يزداد ويزداد .. حتى ظننت أن الموت أرحم !


انتهت الاجراءات .. ويا ليت الألم كان محض كلمتين لا تتجاوز الثواني التي عبرت عنها بانتهاء هذه السخافات .. عُدت لأتمم ما بدأت .. حتى أعلنت الحرب انتهائها .. وأصبح البُرج المقسوم واقفا وشاهدا على العُدوان ..


ما أن انقشع الغُبار الذي خلفته هذه الحرب .. وأصبح الناس يُبصرون ولو قليلا بعد انجلاء ضبابها شيئاً فشيئا .. توجهت إلى البحر .. حيث تموت الهُموم هُناك .. يغسلك كما يغسل نفسه .. وقتها كان الشتاء ينقث لسعاته الباردة .. لكني ارتميت بكُل ثقلي على الماء .. وازويت تحت سطحه لِ بُرهة .. أحاول أن أُفرغ كُل الماّسي التي رأيتها .. وأرتد بجسدي مُخرجا اياه .. كأني أرى الهُموم تبتعد من حولي ..
لم تكن الحكايا التي خلفتها تلك الحرب قد خُطت على الألسنة .. وعاش الناس في صمت ينظرون إلى أنفسهم فقط كيف خرجوا من هذا الهلاك المُبين .. عادت الحياة تدريجياً وببطء شديد .. كثيرة هي الأماكن الفارغة التي تركها من استعجلوا الرحيل .. ما عُدت أطيق السُؤال عن غائب خشية أن أُفجع بخبر رحيله .. كُنت أترك الفُرصة للأيام أن تُلقيني إلى لِقاءه بالصُدفة .. وكُلما مررت على المقابر وقفت أنظر إليها .. لم تكن بهذا الاتساع قُبيل الحرب .. وما زال التُراب رطبا .. والشاهد يتمايل .. والزرع أخضر من الماء الذي رُش بِعناية .. صمت لا يُحرك إلا خوفا من سُؤال باغتني .. أين أنت يا من أبحث عنه .. هل أنت حقا هُنا ..

أنظر إلى ساعتي فأرى الوقت قد سبقني وأنا لم أشعر به .. أقرأ : السلام عليك وعلى من حولك .. أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم للاحقون .. وأمضي في طريقي .. 

الخميس، 21 يوليو 2016

الارادة



فيما يبحث البعض عن أعذار لتبرير التقصير ..

                يظل البعض حريصاً على العطاء حتى في أصعب الظروف ..

الجمعة، 15 يوليو 2016

أرجوحة الزمان


ما يقرع باب الذكريات إلا عابر وخاطر لا إرادي .. يُذكر بالزمان الذي ارتبط بذلك الخاطر بشكل عفوي غير مُنتظم .. أُدرك أن نسمة هواء تُذكرني بـ شُرفة منزل يُطل على شارع كان مُنذ الأزل سِكة حديد .. يحمل القطار أشكالا وألوانا من البشر ومن متاع هذه الحياة .. وما يُحيي النفس البشرية من علاج ودواء .. وما يُهلكها من سلاح ورصاص .. حتى باتت تِلك القُضبان بعد مّر الأزمان على جانب الشارع .. صدئة ومُتهالكة يلتهمها الصدأ ..

ورائحة من مُنقبة مُتبرجة بعطرها .. يغتال الأكسجين في الرئتين .. ويملىء مخزون الدماغ حد الاشباع .. حجزت لي تذكرة سريعة إلى باريس الحالمة .. أجول وأصول في مفاتن ورودها .. أنتقي الوريقة فالوريقة .. وأذهب بها إلى العطار .. وأراقب التسلسل المُعقد في طهيها .. خطوة بـ خطوة .. حتى إذا ما قربت من نهاية هلاكها .. فاحت رُوحها جميلة وعبقة على هيئة قطرة ..

وبائع انتفخ وداجه في حين غلظه .. قلبت سيارة بستطه في حين غرة .. وكلمة لـ كلمة أوصلتهم لـ حركة .. انفض الخلاف وانتهى النزاع .. أعادني ل ( بو عزيزي ) مُفجر الثورة .. أثارت نفسك على بستطك أم أن خدّك لم يتحمل سُخونة الصفعة .. فأشعلت النار في كُل جسدك لتتساوى الحُرقة .. وأصبح المثل من بعدك ( وراء كُل هلاك شعوب بأكملها امرأة ) !

 ووالد يركض في كُل زاوية مُتهكما مُتعرق .. لا يلحق أن يشهق حتى يزفر سريعا .. ما عاد حجابه الحاجز يُميز الحركتين .. يُنادي على طفله التائه .. وهو الذي تراءى له في ذلك الوقت أن ابنه سلك غيابات الجُب .. حتى رفع رأسه وكأنه يرمق النفس الأخير من وداع ابنه فتجلى أمامه .. احتضنه وقبّله وحمله وأخذ طريقه إلى البيت .. بخلاف الاّخر .. لم يكن طفله تائه في الدُنيا .. انتقل في لحظة إلى حياة أخرى .. لحظة غدر وطمع بشري طالت قلبه وروحه .. لم يُرهق ذلك الوالد صدره .. استيعابه للأكسجين كان ضئيلا حد الاختناق منه .. صامت المغشي عليه من الموت .. بعينين يسترق النظر إلى فلذة كبده .. يحتضنه ويُقبله ويحمله .. ويأخذ مسلكه إلى قبره ..

الزاوية


لا زِلت أُؤجل الضجر والملل إلى ما بعد العاشرة ليلاً .. لا سبيل لهما ما قبل ذلك الوقت .. فإني أستنفذ كُل الدقائق في مِلئها .. مُجزئة بين الارهاق والصحة والرخاء والشدة .. أسعى في هذه الفانية بكُل ما أوتيت عزم .. كان والدي يُردد قائلاً : إذا تعب الشاب كذبه .. وإذا جاع صدقه ..
قِصتي ما بعد العاشرة ليلا تعود إلى زاوية من زوايا سطح منزلي .. أركن يداي تحت خدي .. وأقف صامتاً أمام مشهد صامت .. يقطع هذا الصمت دِيك جارنا الذي يصيح رُغم أنه ليس بوقت اّذان .. أحسبه يُمرن صوته بين الفينة والأخرى .. وهُناك عربة يجرها حمار .. نام صاحبه فوق العربة والحمار يسير .. أظن أنه يسلك طريق البيت .. فهو الذي يتردد وما زال على قارعة هذا الطريق حتى احتواه حِفظا ونام صاحبه مُطمئنا ..

صرصور الليل يُحاكي عقرب الثوان .. مُلازم لليل كما النجوم تلازم السماء .. في كُل صوت له حكاية .. أهتدي بها إلى ذكريات ماضية مضت ولم يبقى سوى الأثر الذي خلفته في ذاكرتي .. 

ما زال الطبق الطائر الورقي الذي علق في أحد أسلاك الكهرباء يترنم كنوتات عذبه يُحركه أصابع النسمات العليلة التي تزفر بهدوء بعد شهيق ليل ظالم صامت .. يُعكره تحليق نفاثات حربية خرجت كي تصطاد أو تتدرب .. أو أنهم يبغون تذكيرنا أنهم ما زالوا هُنا .. ونسوا أننا لا ننساهم ما حيينا !

أجزم أن المعبر الذي يفصل الأرضين قد أُعلن عن فتحه .. هُناك عن كثب .. كانت سيارة تحمل حقائب وأمتعة .. وإن استدركت انفراج بابه من السيارة لأن الحقائب والأمتعة لا تظهر إلا في وقت ( عيد ) .. العيد الذي يُفتح فيه المعبر ويُغادر فيه المُسافر .. هذا إن غادر .. فأحياناً كثيرة يعود خائبا كمن يُسلم رأس الشاة للقبلة فيجرحها جُرحا لا هي فيه بـ حية ولا ميتة !

في نفسي أقول : رافقتكم السلامة .. أبتسم في صمت وكأني أراهم غداً وهُم عائدون .. وأُعيد قائلاُ :
أهلاً بكم في فلسطين !

مفاهيم

لم يكن الجراح ليبتكر طريقة يُصلح بها عارضاً اعترضه وقت العملية وأصل الحل موجود في مراجع عِدة .. فإما أن يعود إلى تِلك .. أو يستشير من هُو أعلم .. 
فـ ليست حياة المرء لُعبة تجارب  !

وإن من يجد حلاً جديداً لـ هو المُفكر المُطلع .. وهو الذي يقيس بمنطقية .. ينظر بتمعن وتمهل .. يصل هذه بتلك ولا يترك مجالاً للشك .. يجمع الأدلة العلمية ويربطها ثُم إذا ما أدرك الحل .. أدّى وفعل ..

جدير بهذه البِداية أن تكون استفتاحاً منطقيا وحلاً جذرياً لكل ما يجول ويُحيط في هذا العالم .. وأخص منه الإسلام والمُسلمين .. لا شائبة على الإسلام أبداً .. ولا ينقصه ما يزيده .. فهو الكامل المُكمل .. إنما ما أثار العقل وجعل من هذه النقرات وسيلة لـ تفريغ ما عبئ في الصدر أنّ المّضرة تأتي من المُسلمين للمسلمين أنفسهم !
لا يُنكر عاقل ما عهدت هذا الأرض قبل 1400 عام أو يزيدون من حدث غير موازين الخليقة حتى هذه اللحظة التي تقرأ فيها أيها القارئ .. وما لبث الواحد حتى أصبحوا اثنين والاثنين أربع والأربع ثمان .. وهكذا حتى تضاعفت الأعداد وأصبحت بالملايين والمليارات .. وإنها ليست رياضيات تُضرب وتُقسم .. إنما العدد على ما بُني في العقل ووقر القلب ولامس الصدر والروح .. 

وكما أن الإنسان بلا نُطفة .. فلا وُجود له .. فالمسلمين بدون أصل الإسلام لا غاية ترجو لهم ولا منهم .. يأتي علينا الآن من يُحدث بأمر الإسلام ويستطرد في ماضيه ويبدأ بمُقارنة الأزمان .. وينتقص من أفعال فعلها أصحاب كانوا سند وظهراً لصاحبهم مُبررين أن الزمان الذي يعتصروه ليس مُناسبا .. وتناسوا أنهم بهذه الجُملة أن الزمان هو من اعتصرهم !
ليست بالمُعادلة التي تحتاج مُفكراً .. وإنما يُتقنها فقير جاهل .. لماذا ندفع أنفسنا لابتكار مناهج تقليدية والأصل موجود ومحفوظ .. أما كان الإسلام كاملا وصالحاً لكل زمان ومكان فـ لماذا التلاعب والتلكك !
وإذا كان الجراح يعود للأصل خشية على حياة إنسان واحد تحت يديه .. فما بالك بـ أمة تنقاد إلى كُل مُهلل أطلق على نفسه ( شيخا أو مُفكرا أو مُستنيرا أو مُفتيا ) يتجرع الكلمة من أول سطر في كتاب يقرأه ليتجشأه على العامة ..
إن الحُرية بحد ذاتها يجب أن تكون مُقيدة بمفاهيم وشروط حتى يُطلق عليها ( حُرية ) .. فـ ليست هي بمناط عقل كُل مستهوي يستحدث من الأمر شيئا وما هو في الأصل بشيء .. وإن أكثر من تستهويهم أنفسهم وتلوذ بهم إلى طُغيان مُخترع يبتدعون الفِكرة وهُم أنفسهم لا يُطبقونها .. كـ أكبر مالك لمحاصيل التبغ .. عندما سألوه : هل تُدخن ؟ .. فأجاب : هل أنا مجنون !

لا يحتاج الإسلام إلى من يُصحح ويُعدل ويبتكر ويستحدث فيه .. وإنما تحتاج الأدمغة لأن تصل إلى مرحلة العقل كي تستوعبه وتُعيده إلى سيرته الأولى .. الزمن الذي إذا ما أراد في المسلمون خلع الجبال .. لخلعوها ..


موقف


في بلاد بعيدة عن الموطن الأُم .. وفي حي من أحياء المدينة التي تغّرب إليها من ضاقت عليه صدر أوطانهم .. اجتمع أربعة رجال من العقد الخامس والسادس أمام جامع بعد أن انتهوا من صلاتهم في صُدفة هي الأعجب ..

ليست عادتي أن أكون فُضولياً .. إلى أنّ الجُملة الأولى التي نطق بِها أحدهم عندما أراد أن يجذب بها انتباه الاّخر .. ( هل أنت من عائلة كذا ؟! ) ..
في أول وهلة حسبت أنّ الأمر قد انتهى بمجرد السُؤال .. كُنت على يقين أن الزمان يستهلك من الملامح كما يستهلك من الأيام والساعات والثوان .. وأن بُعد الشُقة والمسافة وانقطاع الوصل الطويل يحول بين الأخ وأخيه إذا ما سلكا طريقاً واحدا حتى لو اصطدم الكتف بالكتف ..

نظرت إلى الرجل الاّخر وقد هممت بالعودة إلى البيت .. استوقفني عندما أجاب : نعم .. أنا من عائلة كذا .. مدّ يده للمُصافحة .. لم تتجاوز ملامسة اليدين حتى جاء رجلان اّخران .. اجتمع الأربعة .. وليس للمُغترب حديث إلا عن موطنه .. الأول يُسمي حيا في مدينة .. والثاني يصف له الشارع .. والثالث يترحم على شاب ويدعو له بالرحمة ويحسبه شهيداً عندما طالته يد الاحتلال .. ذاك الشاب الذي سماه الرجل الأول عندما أوصله بسيارته من المعبر إلى بيته قبل سبع سنوات حيث كان وقتها يعمل سائقا قبل أن يكون مُقاوما ..

أما الرجل الرابع فلم يعلم من كُل ما قِيل سُوى الأسماء التي ما زالت ول يطوها الزمن منذ قرابه السبع والأربعون عام .. حدّث أن مِن الذين طالتهم نكبة السبع وستون .. خرج من بلاده مُرغما .. لِسان حاله وكأنه يقول : حدثوني عن كلام أعقله وأُدركه .. تِلك الجنة التي لم أراها منذ تلك السنوات .. ويحجبها عن بشر مُتخاذلون متسلطون .. صمت إلى أن سأل الخالق أن يُدخله جنة السماء بعد أن مُنعت عنه جنة الارض ..

أدركت حِينها أن التعارف ليس بمجرد كلمات وحُروف .. في الملامح قصص وحكايا جعلت من الأربعة المُخضرمين في الحياة أن يقفوا قرابة الساعة مُتناسين اّلام المفاصل وشد العضلات وموعد دواء مرض السُكر وارتفاع الضغط وتصلب الشرايين ..

أظنهم عادوا إلى أوطانهم في هذه الساعة في سفر عقلي خيالي سريع .. تصافح كُل منهم وودع الاّخر .. وعاد إلى غُربته ..

كورونا العصر

كنت دائم التفكير في ما تطرحه مواقع التواصل الاجتماعي - أو كما سُميت بذلك - على مختلف أنواعها وأسماؤها وأشكالها المتجددة عام بعد عام ،...