الجمعة، 15 يوليو 2016

موقف


في بلاد بعيدة عن الموطن الأُم .. وفي حي من أحياء المدينة التي تغّرب إليها من ضاقت عليه صدر أوطانهم .. اجتمع أربعة رجال من العقد الخامس والسادس أمام جامع بعد أن انتهوا من صلاتهم في صُدفة هي الأعجب ..

ليست عادتي أن أكون فُضولياً .. إلى أنّ الجُملة الأولى التي نطق بِها أحدهم عندما أراد أن يجذب بها انتباه الاّخر .. ( هل أنت من عائلة كذا ؟! ) ..
في أول وهلة حسبت أنّ الأمر قد انتهى بمجرد السُؤال .. كُنت على يقين أن الزمان يستهلك من الملامح كما يستهلك من الأيام والساعات والثوان .. وأن بُعد الشُقة والمسافة وانقطاع الوصل الطويل يحول بين الأخ وأخيه إذا ما سلكا طريقاً واحدا حتى لو اصطدم الكتف بالكتف ..

نظرت إلى الرجل الاّخر وقد هممت بالعودة إلى البيت .. استوقفني عندما أجاب : نعم .. أنا من عائلة كذا .. مدّ يده للمُصافحة .. لم تتجاوز ملامسة اليدين حتى جاء رجلان اّخران .. اجتمع الأربعة .. وليس للمُغترب حديث إلا عن موطنه .. الأول يُسمي حيا في مدينة .. والثاني يصف له الشارع .. والثالث يترحم على شاب ويدعو له بالرحمة ويحسبه شهيداً عندما طالته يد الاحتلال .. ذاك الشاب الذي سماه الرجل الأول عندما أوصله بسيارته من المعبر إلى بيته قبل سبع سنوات حيث كان وقتها يعمل سائقا قبل أن يكون مُقاوما ..

أما الرجل الرابع فلم يعلم من كُل ما قِيل سُوى الأسماء التي ما زالت ول يطوها الزمن منذ قرابه السبع والأربعون عام .. حدّث أن مِن الذين طالتهم نكبة السبع وستون .. خرج من بلاده مُرغما .. لِسان حاله وكأنه يقول : حدثوني عن كلام أعقله وأُدركه .. تِلك الجنة التي لم أراها منذ تلك السنوات .. ويحجبها عن بشر مُتخاذلون متسلطون .. صمت إلى أن سأل الخالق أن يُدخله جنة السماء بعد أن مُنعت عنه جنة الارض ..

أدركت حِينها أن التعارف ليس بمجرد كلمات وحُروف .. في الملامح قصص وحكايا جعلت من الأربعة المُخضرمين في الحياة أن يقفوا قرابة الساعة مُتناسين اّلام المفاصل وشد العضلات وموعد دواء مرض السُكر وارتفاع الضغط وتصلب الشرايين ..

أظنهم عادوا إلى أوطانهم في هذه الساعة في سفر عقلي خيالي سريع .. تصافح كُل منهم وودع الاّخر .. وعاد إلى غُربته ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كورونا العصر

كنت دائم التفكير في ما تطرحه مواقع التواصل الاجتماعي - أو كما سُميت بذلك - على مختلف أنواعها وأسماؤها وأشكالها المتجددة عام بعد عام ،...