الجمعة، 15 يوليو 2016

الزاوية


لا زِلت أُؤجل الضجر والملل إلى ما بعد العاشرة ليلاً .. لا سبيل لهما ما قبل ذلك الوقت .. فإني أستنفذ كُل الدقائق في مِلئها .. مُجزئة بين الارهاق والصحة والرخاء والشدة .. أسعى في هذه الفانية بكُل ما أوتيت عزم .. كان والدي يُردد قائلاً : إذا تعب الشاب كذبه .. وإذا جاع صدقه ..
قِصتي ما بعد العاشرة ليلا تعود إلى زاوية من زوايا سطح منزلي .. أركن يداي تحت خدي .. وأقف صامتاً أمام مشهد صامت .. يقطع هذا الصمت دِيك جارنا الذي يصيح رُغم أنه ليس بوقت اّذان .. أحسبه يُمرن صوته بين الفينة والأخرى .. وهُناك عربة يجرها حمار .. نام صاحبه فوق العربة والحمار يسير .. أظن أنه يسلك طريق البيت .. فهو الذي يتردد وما زال على قارعة هذا الطريق حتى احتواه حِفظا ونام صاحبه مُطمئنا ..

صرصور الليل يُحاكي عقرب الثوان .. مُلازم لليل كما النجوم تلازم السماء .. في كُل صوت له حكاية .. أهتدي بها إلى ذكريات ماضية مضت ولم يبقى سوى الأثر الذي خلفته في ذاكرتي .. 

ما زال الطبق الطائر الورقي الذي علق في أحد أسلاك الكهرباء يترنم كنوتات عذبه يُحركه أصابع النسمات العليلة التي تزفر بهدوء بعد شهيق ليل ظالم صامت .. يُعكره تحليق نفاثات حربية خرجت كي تصطاد أو تتدرب .. أو أنهم يبغون تذكيرنا أنهم ما زالوا هُنا .. ونسوا أننا لا ننساهم ما حيينا !

أجزم أن المعبر الذي يفصل الأرضين قد أُعلن عن فتحه .. هُناك عن كثب .. كانت سيارة تحمل حقائب وأمتعة .. وإن استدركت انفراج بابه من السيارة لأن الحقائب والأمتعة لا تظهر إلا في وقت ( عيد ) .. العيد الذي يُفتح فيه المعبر ويُغادر فيه المُسافر .. هذا إن غادر .. فأحياناً كثيرة يعود خائبا كمن يُسلم رأس الشاة للقبلة فيجرحها جُرحا لا هي فيه بـ حية ولا ميتة !

في نفسي أقول : رافقتكم السلامة .. أبتسم في صمت وكأني أراهم غداً وهُم عائدون .. وأُعيد قائلاُ :
أهلاً بكم في فلسطين !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كورونا العصر

كنت دائم التفكير في ما تطرحه مواقع التواصل الاجتماعي - أو كما سُميت بذلك - على مختلف أنواعها وأسماؤها وأشكالها المتجددة عام بعد عام ،...